هل أنت من الباكين من خشية الله ؟

استشعار عظمة الله تعالى.. وجلاله.. وملكه الذي لا تحيط به العقول.. وجبروته.. إن ذلك شغل القلوب التي عرفت الله تعالى.. وأفردته بالعبادة والقصد..

إن القلوب إذا استشعرت عظمة ملك الملوك، ملكها الخوف منه تبارك وتعالى.. والخشية.. والرهبة..

وهذه أخي المسلم وقفة أخرى في سلسلة المحاسبة.. وسؤال آخر، ينبغي أن يسأله كل مسلم لنفسه، ** هل هو من الباكين من خشية الله تعالى؟! **



قال يزيد بن ميسرة رحمه الله: "البكاء من سبعة أشياء: البكاء من الفرح، والبكاء من الحزن، والفزع والرياء، والوجع، والشكر، وبكاء من خشية الله تعالى، فذلك الذي تُطفئ الدمعة منها أمثال البحور من النار!"

**أخي المسلم: ما أحلى دموع الخشية إذا أهملت من أعين الخائفين! هنالك تتنزل الرحمات.. وتُكتب الحسنات.. وتُرفع الدرجات! **

فهل حاسبت نفسك يوماً: أين كنت من تلك اللحظات؟! أين كنت من ركب الباكين؟!

كم من دموع لغير الله أريقت!

وكم من بكاء لأجل شهوات النفوس توالى!

قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: "لأن أدمع من خشية الله أحب إلى من أن أتصدق بألف دينار!"



عن عبيد بن عمير رحمه الله أنه قال لعائشة رضي الله عنها: "أخبرينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟"

قال: فسكتت ثم قالت: لما كانت ليلة من الليالي

قال: «يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي»

قالت: والله إني أحب قربك، وأحب ما يسرك

قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي

قالت: فلم يزل يبكي، حتى بل حجره

قالت: وكان جالساً فلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بل لحيته!

قالت: ثم بكى حتى بل الأرض، فجاء بلال يأذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله تبكي، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟!

قال: ** «أفلا أكون عبداً شكوراً؟ **لقد أنزلت علي الليلة آية ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ....}

**هذا رسولنا صلى الله عليه وسلم وهذه خشيته! فحريٌ بكل مسلم أن يتفقد نصيبه من خشية الله تعالى.. ودموعه إذا تذكر الباكين.. **

وعظ مالك بن دينار رحمه الله يوماً فتكلم، فبكى حوشب، فضرب مالك بيده على منكبه، وقال: ابك يا أبا بشر! فإنه بلغني أن العبد لا يزال يبكي، حتى يرحمه سيده، فيعتقه من النار.

**فيا غافلين عن دموع الباكين!

ويا لاهين عن عظمة تلك اللحظات

أما علمتم أن دموع الخائفين أحب الدموع إلى الله تعالى؟! **

وقال النبي صلى الله عليه وسلم:

أخي المسلم: دموع تذرفها لله تعالى، غنيمة غالية تفوز بها، وبُشرى لك إن حرصت عليها..

قال أبو حازم رحمه الله: "بلغنا أن البكاء من خشية الله مفتاح لرحمته"

وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله لأبي الجودي الحارث ابن عمير: "يا أبا الجودي، اغتنم الدمعة تسيلها على خدك لله"

**فيا أيها الضعيف! لا تنسين أن أمامك شدائد يشيب لهولها الوليد!

لا تنسينَّ بيت الظلمة والدود! والقبر!

لا تنسينَّ أول ليلة تبيتها في قبرك!

لا تنسينَّ هول السؤال.. ساعة يبعثك الملكان وأنت وحيد.. وقد تفرق عنك الأهل والأصحاب!

شدائد تبعث الدموع مدراراً!

شدائد تملأ القلب أحزاناً!

وبين يدي تلك الشدائد! سكرات الموت وآلامه.. وحال الخاتمة ونهايتها! **

لما حضرت سفيان الثوري الوفاة جعل يبكي ويجزع، فقيل له: "يا أبا عبدالله عليك بالرجاء إن عفو الله أعظم من ذنوبك! فقال: أو على ذنوبي أبكي؟!

لو علمت أني أموت على التوحيد، لم أبال بأن ألقى الله بأمثال الجبال من الخطايا!"

رجال عرفوا الطريق فسلكوه على بصيرة..

رجال عبدوا الله على علم..

فحاسب نفسك أيها الطالب طرق النجاة.. أما حركت تلك الأهوال مدامعك؟!

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب فقال: «عُرضت علي الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً» فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه! قال: غطوا رؤوسهم ولهم خنين.. [رواه البخاري ومسلم].

وعن هانئ مولى عثمان رضي الله عنه قال: "كان عثمان إذا وقف على قبر، بكى حتى يبلَّ لحيته! فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟!

فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه، فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه، فما بعده أشد منه».

قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما رأيت منظراً قط إلا القبر أفظع منه» [رواه الترمذي وابن ماجة].

وخطب أبو موسى الأشعري رضي الله عنه مرة الناس بالبصرة، فذكر في خطبته النار، فبكى حتى سقطت دموعه على المنبر، وبكى الناس يومئذ بكاءً شديداً.

وقرأ ابن عمر رضي الله عنهما: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ}... [المطففين: 1].

فلما بلغ: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}... [المطففين: 6].

بكى حتى خرَّ وامتنع من قراءة ما بعده.

وقال مسروق رحمه الله: "قرأت على عائشة هذه الآيات: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ}... [الطور: 27].

فبكت، وقالت: ربِّ مُنَّ وقني عذاب السموم"

وحدَّث من شهد عمر بن عبدالعزيز وهو أمير على المدينة: أن رجلاً قرأ عنده: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً}... [الفرقان: 13].

فبكى حتى غلبه البكاء وعلا نشيجه! فقام من مجلسه، فدخل بيته، وتفرق الناس.

وقال خالد بن الصقر السدوسي: "كان أبي خاصاً لسفيان الثوري، قال أبي: فاستأذنت على سفيان في نحر الظهر، فأذنت لي امرأة، فدخلت عليه وهو يقول: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}... [الزخرف: 80].

ثم يقول: بلى يارب! بلى يارب! وينتحب، وينظر إلى سقف البيت ودموعه تسيل، فمكث جالساً كم شاء الله، ثم أقبل إليَّ، فجلس معي، فقال: منذ كم أنت هاهنا؟ ما شعرت بمكانك!".

أخي المسلم: أولئك هم أهل الخشية! رجال صدقوا في الإقبال على خالقهم تبارك وتعالى، فامتلأت قلوبهم بالخشية منه.. والخوف من بطشه..

فإن العين لا تدمع إلا إذا صفا القلب.. وطهرت النفس..

قال مكحول رحمه الله: "أرقُّ الناس قلوباً أقلهم ذنوباً".

وقال أحمد بن سهل رحمه الله: "قال لي أبو معاوية الأسود: "يا أبا علي من أكثر لله الصدق نديت عيناه، وأجابته إذا دعاهما".

فهل حاسبت نفسك أيها العاقل: كم مرة دمعت عيناك من خشية الله تعالى؟!.

هل يتحرك قلبك إذا قرعك القرآن بوعيده؟!

هل يتحرك قلبك إذا رأيت القبور وسكونها؟!

هل تذكرت الموت وكرباته؟!

هل تذكرت القبر وأهواله؟!

هل تذكرت الحشر وشدائده؟!

هل تذكرت الصراط وفظائعه؟!

شدائد لا ينجو منها إلا أهل الصدق.. الذي استعدوا قبل الممات.. وأعدُّوا قبل الحسرات..

بكوا قبل يوم البكاء.. وهراقوا الدموع قبل يوم تصبح الدموع دماء!

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عينان لا تمسهما النار: عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله» [رواه الترمذي].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يلج النار رجلٌ بكى من خشية الله، حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبارٌ في سبيل الله ودخانُ جهنم» [رواه الترمذي].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سبعةٌ يظلم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» فذكر منهم «ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه» [رواه البخاري ومسلم].

أخي المسلم: إذا وقف الخلائق غداً بين يدي الله تعالى، فاز الباكون من خشية الله بتلك المنزلة الرفيعة، التي أخبرك عنها النبي صلى الله عليه وسلم.

فم أسعدهم بذاك الأمن!

وما أهنأهم بتلك الدرجات!

كان محمد بن المنكدر رحمه الله: إذا بك، مسح وجهه ولحيه بدموعه، ويقول: "بلغني أن النار لا تأكل موضعاً مسته الدموع"

فيا طالباً للأمن غداً.. عليك بالدموع تسفحها خشية وخوفاً من بطش ملك الملوك.. وقيوم السماوات والأرض!

عليك بالبكاء لعل الله أن يرحمك.. لعل دمعات قليلات تُسعدك بالنعيم الباقي..

{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ}... [ق: 31-33].

{إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}... [الملك: 12]

أخي المسلم: ينبغي للمسلم أن يكون خائفاً وجلاً، لأنه يعلم عظمة الله تعالى.. وبطشه الشديد!

وقد وقف على الوعيد وهو يقرأ كتاب ربه تبارك وتعالى.. فإن غفل عن ذلك كله، فلا أغفل منه!

فيا من كُتب عليك الموت قبل أن تولد! أين فرارك من لقاء الله تعالى؟!

فكن خير قادم على الله تعالى.. وإياك أن تُقدم على ربك كما يقدم العبد الآبق! فاحذر وعيده.. وارج وعده.. ولا تركن إلى الدنيا فتهلك!

سُئل ابن عباس رضي الله عنهما عن الخائفين؟

فقال: "قلوبهم بالخوف فرحة، وأعينهم باكية، يقولون: كيف نفرح والموت من ورائنا، والقبر أمامنا، والقيامة موعدنا، وعلى جهنم طريقنا، وبين يدي الله ربنا موقفنا؟!"

أخي المسلم: كم من أناس استبدلوا من دموع الخشية، ضحكات.. وغفلات..

كأنهم آمنوا ريب المنون.. وعظائم الأمور!

لا يهز القرآن قلوبهم.. ولا يحرك بوعيده دمعهم وشجونهم..

ضربت عليهم الغفلة بسياجٍ كثيف!

ورتعوا في أرض الأماني في مكان سحيق!

مر الحسن البصري بشاب وهو مستغرق في ضحكه، وهو جالس مع قوم في مجلس

فقال له الحسن: يا فتى هل مررت بالصراط؟!

قال: لا!

قال: فهل تدري إلى الجنة تصير أم إلى النار؟!

قال: لا!

قال: فما هذا الضحك؟!

فما رؤي ذلك الفتى بعدها ضاحكاً

فتدبر أيها العاقل في حالك.. وحاسب نفسك قبل أن تُحاسب!

ولا تكونن كأولئك الغافلين، الذي أسالوا دموع الهوى.. وانقطعت عنهم دموع الخشية!

تذكر فظائع الأمور التي ستقدم عليها، سكرات الموت! والقبر! وأهوال القبور! وفظائع يوم الحشر! والمرور على الصراط!

بكى أبو هريرة رضي الله عنه في مرضه: فقيل له: "ما يبكيك؟!

فقال: أما إني لا أبكي على دنياكم هذه ولكن أبكي على بُعد سفري، وقلة زادي، وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار، لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي!"

لمثل تلك الشدائد هملت دموع الخائفين.. وكثر وجل العارفين..

فاعمل أخي ليوم التراب.. وتهيأ لساعة الحساب.. واذرف الدمع قبل أن ترحل من دار الخراب.. وفر إلى الغالب الغلاب..

والحمد لله تعالى الحكم يوم الحساب.. والصلاة والسلام على النبي وآلة والأصحاب.




المقالات ذات صله